Pages

الاثنين، 24 نوفمبر 2014

أسس علم الاجتماع (1)

هذه الورقة هي عبارة عن خلاصة لمحاضرات د. محمد جحاح كان قد ألقاها في الموسم الجامعي 2011-2012 (مادة أسس علم الاجتماع). وقد عملت على التوسع في بعض النقاط لإزالة اللبس عن الطلبة (الجدد)، حيث اعتمدت على مجموعة من المراجع و المقالات. أتمنى أن أكون بهذا العمل قد ساهمت في نشر المعرفة.
 سفيان لشهب



أولا : مدخل عام- شروط نشأة علم الإجتماع – التعريف بالعلم
ثانيا : التعريف بأهم المدارس والإتجاهات
·        الإتجاه الوضعي: أوغيست كونت وإميل دوركايم
·        الإتجاه الفينومينولوجي أو سوسيولوجيا الفهم: ماكس فيبر
·        الإتجاه الجدلي الماركسي: ماركس
 
 أولا : مدخل عام

 كلمة سوسيولوجيا هي كلمة مركبة فـ "سوسيو" : تعني كل مايتعلق بالإجتماع، و"لوغوس" : تعني العلم.
 ومن هنا فإن الكلمة تعني دراسة المجتمع من زاوية علمية.  
في البداية يجب أن نشير إلى أن الكل كان ينسب علم الاجتماع إليه:
← رايمون آرون: يأصل لعلم الإجتماع بأنه ظهر مع أوغيست كونت في فرنسا...
← الإيطاليون ينسبونه إلى باريتو في دراسته للسلوكات داخل المجتمعات العاطفية كمجال لعلم الاجتماع...
← الإنجليز والأمريكان يرجعون الأصل إلى المناخ الأنجلوسكسوني حيث هناك من يعود إلى هربرت سبنسر...
← الألمان يأصلون لعلم الاجتماع بأنه ظهر مع فلسفة الهيرمينوطيقا (الرجوع إلى دلتاي) المدرسة والاتجاه الفينومينولوجي (الفلسفة الظواهرية) ...
← العرب يعودون إلى إبن خلدون كمؤسس لعلم الاجتماع...
الأسئلة التي تطرح عندما نريد التأصيل لأي علم هي أسئلة من قبيل: من؟ متى؟ وكيف؟
ومن هنا نتساءل:
من أسس السوسيولوجيا؟ متى أسست؟ وكيف تأسست؟
السؤالان الأولان ملغيان لأن السوسيولوجيا لم تولد ولادة بيولوجية، ويبقى سؤال كيف تأسست السوسيولوجيا؟
قبل علم الإجتماع التفكير في المجتمع لم يكن منعدما، فما الدين إلا محاولة لتنظيم المجتمع (الثواب والعقاب). فالدين كمنظومة فكرية جاء لينظر في العلاقات داخل المجتمع، كيف يتعامل الناس في إقتصادهم في لباسهم في أفراحهم ... والفكر الأسطوري الذي يعتبر أول مغامرة للعقل البشري حاولت إعطاء صورة من أجل التنظيم... كما أن المجتمع كان موضوعا للتأمل الفلسفي (جمهورية أفلاطون)، حيث حاول أفلاطون أن يعطي نمودج لما ينبغي أن يكون عليه اليونان، فقد ربط السلطة بالحكمة (لأن حاكم جمهوريته هو فيلسوف) ... وأرسطو في "كتاب السياسة " تساءل: كيف للسياسة أن تنجح في المدينة الدولة؟.. الفارابي تحدث عن المدينة الفاضلة والعقول العشر، وحاول الدمج بين الشرعية والسلطة الدنيوية.
وفي فرنسا وإنجلترا كان التفكير في المجتمع حاضرا: فلسفة العقد الإجتماعي مع روسو وهوبس، حيث يقول هذا الأخير بأن الحياة لا يمكن أن تستمر في ظل حرب الكل ضد الكل... والإنسان عدو لأخيه الإنسان لأنه محكوم بغريزة البقاء... ويقول روسو بأنه يمكن الحفاظ على إستمرارية المجتمع عن طريق تقاعد إجتماعي، وذلك بتنازل كل واحد منا عن جزء من أنانيته الشخصية، ونضعها في يد شخص يكون مسؤولا عن الدولة، وهي علاقة غير إلزامية وإنما تعاقدية فهو يحكم باسمنا...
صحيح أنه لم يكن لعلم الإجتماع أن يظهر لولا التراكمات التي ذكرنا، إضافة إلى التراكمات المعرفية  على مستوى العلوم الأخرى ( الفيزياء- البيولوجيا- الرياضيات-الإحصائيات...)، لكن يبقى أثر الثورة الفرنسية بليغا في ظهور السوسيولوجيا...
الإجابة على سؤال كيف ظهر علم الإجتماع؟ ستكون عبر محورين أو عاملين:
المحور الأول: سنقوم باستعراض العوامل السوسيوتاريخية.
المحور الثاني: سنستعرض العوامل المعرفية (الإيبستيمولوجية).

 المحور الأول: العوامل السوسيوتاريخية (الاجتماعية التاريخية)
هنا ترتبط نشأة السوسيولوجيا حسب عالم الإجتماع الفرنسي "جون دﭬنيو" بالثورة، وهذا ما عبر عنه حين قال: "... بهذا المعنى يمكننا القول بأن السوسيولوجيا هي بنت للثورة"[1]. وفي هدا الإطار نستحضر الثورة السياسية بفرنسا (1789)، والثورة الصناعية بإنجلترا، والثقافية بألمانية، إضافة إلى الثورة العلمية.

"الثورة هي هدم لنظام سياسي وإجتماعي قائم"

 الثورة الفرنسية 1789: (في علاقة السوسيولوجيا بالثورة الفرنسية)
الثورة الفرنسية هي ثورة سياسية وإجتماعية عملت على هدم النظام الملكي الوراثي، الذي كان يتأسس في تحالف مع النظام الفيودالي (الإقطاعي)؛ والنظامان معا كانا يستمدان شرعيتهما من الدين "الكنيسة"، والحكم السياسي كان يمارس في إطار الشرعية الدينية "الحق الإلهي"، هذه الشرعية التي تباركها الكنيسة الكاثوليكية، والفيوداليون كانت تجمعهم بالأقنان علاقات (العبودية). إذا نحن هنا أمام علاقة الراعي بالرعية، وليس هناك بعد مواطن أو فرد.
والثورة حسب التعريف أعلاه لايمكن أن تتم إلا عبر تطورات اجتماعية واقتصادية، فما هي هذه التطورات؟
تتمثل هذه التطورات أساسا في تلك العمليات والتناقضات، وأشكال النمو الاجتماعي والاقتصادي التي أدت في نهاية الأمر إلى انهيار دعائم النظام الاجتماعي والاقتصادي الأوروبي القديم (الإقطاع)، وصعود النظام الاجتماعي الاقتصادي الجديد (الرأسمالية الصناعية) على أنقاضه.
وقد لخص "سان سيمون" تفسيره لإنهيار المجتمع الإقطاعي وصعود البرجوازية الصناعية، بأنه محصلة للتناقضات الإجتماعية التي نمت وتطورت وتصاعدت في أحشاء النظام الأوروبي الإقطاعي إبتداءا من القرن الحادي عشر. التناقض بين الإديولوجيا الراسخة للمجتمع الإقطاعي، والتقدم العلمي والفلسفي الجديد، بين الطبقات الإقطاعية والطبقة الجديدة النامية في قلب النظام القديم (البرجوازية).
هذه الطبقة الجديدة التي طورت أسلحتها الدينية (المذهب البروتستانتي)، والفلسفية (فلسفة التنوير) والعلمية (التقدم العلمي والتقني) حتي أصبح المسرح مهيأ لإنتصارها النهائي والحاسم في عملية القضاء على المجتمع الإقطاعي القديم وبناء النظام الإجتماعي الجديد القائم على الرأسمالية والصناعة والعلم بوصفهما القوى الاجتماعية الأساسية التي تشكله.
من هنا، ورغم المعارضة التي لقيتها الثورة الفرنسية (الثيار الفلسفي الرومانسي الذي أخد يتغنى بكل ماهو قديم و محافظ) فإنها تعتبر ثورة ناجحة بكل المقاييس، فأول ما ستبني له الثورة الفرنسية هو الحداثة (الفصل بين المجال الخاص والمجال العام). حيث طرح مفهوم العلمانية (فصل الدين عن الدولة)، والشرعية أصبحت تستمد من التعاقد وليس من الدين، وأعطتنا مفهوم المواطن وبالتالي المواطنة، أعطتنا مفاهيم الحق-القانون-الفرد... الثورة الفرنسية "أعطت الميلاد للمؤسسات في مقابل هدم المقدسات". حيث يقول أوغيست كونت في كتابه " دروس في الفلسفة الوضعية: "ما كان لعلم الإجتماع أن يظهر لولا تمزيق/نزع حجب القداسة والظلامية عن المجتمع الفرنسي".
وبالنسبة لدلالة الثورة على السوسيولوجيا فهي دلالة من جانب فلسفي: فـ "الفلسفة الوضعية" حسب أ.كونت تحدد لنا في قرائتها للمجتمع والتطور الإجتماعي محددان أساسيان: مفهوم التقدم، ومفهوم النظام.
1- كونت كان سليل فلسفة الأنوار فهو تلميذ سان سيمون وخير دليل على مفهوم التقدم هو الثورة الفرنسية ونجاحها. وهنا التحول إلى نظام رأسمالي عوض النظام الإقطاعي.
2- النظام يخلق عوامل تهدد باستمراريته، ومن هنا كان هدف علم الاجتماع تحقيق النظام.
يتبع...



[1]- « C’est en ce sens qu’on peut dire que la sociologie est fille de la Révolution ». Jean Duvignaud : introduction à la sociologie. Editions Gallimard, 1966.

هناك 3 تعليقات: