السبت، 6 ديسمبر 2014

قراءة في كتاب: مسارات التحول السوسيولوجي في المغرب للأستاذ. عبد السلام حيمر


منشورات الزمن، سلسلة شرفات 34، الطبعة الثانية 2013. عدد الصفحات 156 صفحة.              
بالنسبة للتصميم فإن الكتاب يحتوي على مقدمة وأربعة فصول:                                           
الفصل الأول: في العمل الثقافي.                            
الفصل الثاني: المدرسة والمجتمع أية علاقة؟           
الفصل الثالث: المرأة المغربية بين التقليد والحداثة.    
الفصل الرابع: إشكالية الإصلاح وعلامات الساعة!   
   
من إنجاز: لشهب سفيان  
        للتحميل بصيغة pdf اضغط   هنا


    مـقـدمـــــة:
إن المجتمع المغربي ومنذ أواخر الثمانينات بدأ يعرف مجموعة من الإصلاحات التي تعتبر أساسية، وتهدف إلى إرساء أسس المجتمع الديمقراطي الحديث. إلا أن كل هذا يبقى عرضة للانتكاس والتراجع بسبب مجموعة من العراقيل الموضوعية والذاتية، سواء الداخلية أو الخارجية. ومن بين تلك العراقيل يقول ذ. عبد السلام حيمر "هذا التناقض الصارخ بين الواقع الجديد الذي يعيشه المغاربة ويتطلعون إلى تطويره، وهو واقع التحول الديمقراطي، من جهة، وبين أنماط التفكير والإحساس والفعل وما يرتبط بها من قيم ومعايير وقواعد وعادات ومسلكيات جماعية لم تعد تتطابق –في عدد من جوانبها الأساسية- مع مستلزمات الواقع الجديد، بل أصبحت تكبحه وتعرقل مساره"(ص9).
فالقيم والمعايير الحداثية قد اختلطت بأنماط التفكير والإحساس الموروثة عن أنماط الوجود الاجتماعي المخزني، القبلي، الباترمونيالي "ذلك أن كل تلك التحولات الحداثية الناجمة عن اندراج المغرب في بنية النظام العالمي أولا، وعن تحولات المجتمع المغربي الديمغرافية والمورفولوجية، وما تطرحه تلك التحولات من تحديات ثانيا، لم ترافق بتحديث فعلي لمحتوى مؤسسات التنشئة الاجتماعية، للقيم والقواعد والذهنيات والاستعدادات النفسية والفكرية اللاشعورية المنتجة للسلوك الفردي والجماعي" (ص12).
إن هويتنا الحالية يقول ذ. حيمر هي: "... هوية مرحلة انتقالية تتميز بتراجع القديم تراجعا لا يفقده كل نفوذه وسلطته على النفوس والسلوكات والاختيارات، وبظهور الجديد وتقدمه تقدما لا يقوى معه على تكييف القديم وهضمه واستيعابه والهيمنة عليه."(ص12).
ولما كان مجال القاعدة هو مجال الثقافة، ولما كان الاصلاح يتوخى إرساء قواعد جديدة يتمخض عنه "هابيتوس"  جديد بتعبير بيير بورديو، لدى الأفراد والجماعات، ويخترق كل مراتب الوجود الاجتماعي للأمة ويجعل هويتنا الوطنية منتجة ومبدعة وخلاًقة وقادرة على التكيف السريع و الفعال مع متغيرات العالم المعاصر ورفع تحدياته، فإن الاصلاح الثقافي –في هذه الشروط- يكون أساسا ورافعة لكل إصلاح سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو فكري.
في هذا السياق تكتسي التنشئة الاجتماعية بكل مؤسساتها، ابتداء من الأسرة والمدرسة وانتهاء بالحزب والدولة أهمية خاصة...(ص13).
الفصل الأول
في العمل الثقافي: علاقة الثقافي بالسياسي في ضوء تحولات عصرنا
إن التحولات التي مر بها العالم في عقد الثمانينات وبداية التسعينات –والتي مازالت تداعياتها ونتائجها مسترسلة إلى اليوم- لم تكن متوقعة، لا من حيث إيقاعها السريع الهائل، ولا من حيث اتجاهها ومداها وجدريتها وطابعها الشعبي العميق. ولعلها في كل ذلك أشبه ما تكون بتلك التحولات التاريخية التي دشنتها ثورة أكتوبر البلشفية في بداية القرن الماضي وطورتها نتائج الحرب العالمية الثانية، مفضية إلى انقسام العالم إلى تكتلات ثلاثة على شكل طرفين متناقضين (رأسمالي/اشتراكي)، وواسطة متأرجحة بينهما (اشتهرت بعد Alfred Sauvy بالعالم الثالث).
هكذا يتحدث ذ. حيمر عن مرجعيتين أساسيتين كبيرتين: الليبيرالية من جهة، والماركسية من جهة أخرى. فيوضح كيف أن المرجعية الفلسفية لعصر الأنوار والتي كانت تنادي بمبادئ إنسانية كونية، كالحرية، الأخوة، والمساواة، وفصل السلط، والديمقراطية والعدالة...كانت في أساس الليبيرالية والنتيجة المتوخاة من خلالها.
لقد عبأت الليبيرالية –قبل وصول ممثليها الاجتماعيين إلى مركز السلطة والهيمنة- كل فئات الشعب ضد الأرستقراطية والإكليروس، لكنها لم تستطع الإيفاء بالطابع الإنساني الكوني لمبادئها تلك، بسبب الحدود التي فرضتها المصالح الطبقية للبرجوازية الظافرة، ونمط ملكيتها لوسائل الإنتاج والتوزيع.
وفي الوقت الذي ألحت فيه الماركسية على وفائها للقيم التي أتت بها فلسفة الأنوار والتقدم –وهي نفس القيم التي انطلقت منها الليبرالية- فإنها ارتأت أن إلغاء الملكية الفردية لوسائل الإنتاج والتوزيع وما يرتبط بها من أشكال العلاقات الاجتماعية والحقوقية الاستغلالية، وأنماط من الضبط الاجتماعي وبنيات سياسية وثقافية، هي الكفيلة وحدها بتوفير الشروط الواقعية لممارسة كل فرد من بني البشر ما أعلنته الثورة الليبيرالية من مبادئ انسانية كبرى، كالحرية والمساواة والأخوة، في إطار مجتمع جديد تسوده الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والتوزيع.
لكن هذا أدى إلى بروز دولة تعالت –مع مرور الزمن-على المجتمع، وسيطرت قسرا على تفاصيل حياته اليومية، ووضعت نفسها خارج رقابته. هكذا نجد أنفسنا أمام تجربة تاريخية هي أبعد ما تكون –في هذه المناحي- عما أعلنته الماركسية وفلسفة الأنوار من مبادئ وغايات، وأقرب إلى مدارات المقدس وطقوسه وأيقوناته ورموزه...
لقد تم الانهيار الشامل للاتحاد السوفياتي ولمعظم دول معسكره في أوروبا الشرقية، كما إنهار جدار برلين، وتغيرت خريطة أوروبا السياسية والإيديولوجية وكلما كان قانون الوحدة والتكتل يسري مفعوله في جزء من العالم، كان قانون التجزئة والتشتت والتعصب العرقي والقومي والديني يجر الناس إلى حمامات دم حقيقية في أجزاء أخرى منه. فبدأت اصطفافات جديدة بين الدول تظهر، كان المستفيد منها العالم الغربي عامة والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.
هكذا أصبحت الحداثة الغربية ذات التوجه الليبيرالي –على مستوى الواقع- نموذجا كونيا، بل النموذج الكوني الوحيد الذي بالقياس إليه تحدد شعوب العالم ودوله أنماط فعلها في مجتمعاتها بغية تحديثها وتنميتها. إنها نهاية التاريخ التي تحدث عنها "فوكوياما"، والتي لم تحرك داخل النخبة المثقفة والسياسية في المغرب و العالم العربي عموما أي ساكن (باستثناء بعض الكتابات المحتشمة). وكما يقول الأستاذ محمد جسوس فإن هناك "تدنيا في المستوى أو الأساس الفكري أو الثقافي للعمل السياسي...وبصفة عامة إن العمل السياسي بدأ يتحول إلى ما نسيه بـ البوليتيك"(ص40).
إن هذا البوليتيك هو الذي جعل زعاماتنا السياسية تقول بأنها ليست معنية بالتحولات العالمية فاليمينيون يقولون بأنهم ليبيراليون والليبيرالية هي المنتصرة، بالتالي فهم رابحون ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لكن ها هنا تُطرح عليهم متطلبات الليبيرالية الغربية وما تحمله من معاني الحرية في كل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما عليها أن ترتكز على أسس ديموقراطية. فما الذي تعنيه الليبيرالية إلى سياسيينا اليمينيين؟
أما يساريونا فيقولون هم الآخرون بأن ما طرأ لا يعنيهم إلا من حيث تبعاته السياسية المباشرة، لأن اشتراكيتهم متميزة عن اشتراكية السوفييت المنهارة المنهزمة، بكونها اشتراكية ديمقراطية عند البعض، أو وطنية، أو وطنية قومية عند البعض الآخر...
والأصوليون يقولون إن ما طرأ برهان على أن زمن الخلافة الموعود منذ قرون قد حان، وهو البديل لكل البدائل، ليبيرالية كانت أو ماركسية اشتراكية أو سلفية وطنية أو قومية...إلخ.
إن انهيار الاستقطاب الإيديولوجي لشعوب العالم وأممه ودوله، بين الاشتراكية والليبيرالية كإيديولوجيتين للكفاح والصراع محليا ودوليا، بعد التحولات الأخيرة سيترك مكانه –كما يؤكد البعض- لاستقطاب من نوع آخر تلعب فيه الثقافات القومية الكبرى دورا مركزيا، وبدل أن يكون الاختلاف الثقافي مصدرا للإثراء المتبادل لدول العالم، وأن تكون العلاقات بين مختلف الثقافات علاقات حوار، فإن الأوضاع المختلة التي يعيشها الناس في عالم اليوم، تجعل المجتمعات الغربية بقيادة أمريكا الشمالية تقدم الحداثة الغربية في شروطها التاريخية والثقافية والروحية المحلية، نموذجا كونيا لكل شعوب العالم وأممه، وكأن تلك المجتمعات تسعى أكثر من أي وقت مضى إلى أن تفرض قيمها المادية والروحية على كل الأمم وأن تعيد تشكيل العالم وتصويره وصياغته على صورتها.
إن هذا ما يطرح على السياسي المغربي، سواء كان سلفيا، ليبيراليا، اشتراكيا، أو ماركسيا أن يجيب بأكبر قدر من الصرامة الفكرية عن أسئلة استراتيجية تخترق الظرفي وتتجاوزه، بل وتؤسسه أيضا.
فهل يوجد تاريخ كلي للبشرية، تتحكم قوانينه في التواريخ الخاصة للأمم والشعوب، بحيث تتمكن بالقياس إليه من عقد المقارنات واستلهام الخبرات والتجارب والتلاقح والتمازج والحوار والتعاون؟ وهل الحداثة والتحديث تصور واحد نعبر عنه باسمين مختلفين؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فما العلاقة بينهما؟
أولا ينبغي على أحزابنا التي انسلخت من الحركة الوطنية في ظل شروط دولية ووطنية معروفة أن تلتئم من جديد في ظل شروط دولية جديدة هي الأخرى. فالأسباب الإيديولوجية التي أدت إلى تشتتها قد انتفت وبرامجها تصل حد التطابق أحيانا، (الشيء الذي دفع البعض إلى القول بأن سبب عدم التكتل هو سيكولوجي بالأساس)، كما أن الدولة هي الأخرى مطالبة بتأسيس مراكز البحث العلمي حتى تساهم النخب المثقفة في الجواب على الأسئلة المطروحة، وحتى لا يبقى البحث العلمي مشتتا هو الآخر، لأن الأسئلة الراهنة تستدعي شمولية الجواب التي لن تتأتى إلا بشمولية التخصصات.
إن المتتبع لسيرورة المجتمع المغربي منذ الاستقلال على الأقل لا يخفى عليه أن المغرب قد حقق مكاسب في بناء الدولة الحديثة، لكن رغم ذلك فإن الهوة بين الدولة والمجتمع لا تزال متسعة نتيجة مَخْزَنة دواليب الدولة أو دولنة المجتمع؛ لأن الهدف الرئيسي ينبغي أن يكون نشر ثقافة ديمقراطية، بين بيروقراطية الدولة وأفراد المواطنين. بمعنى أنه علينا أن نعمل على استبطان المواطن للثقافة الديمقراطية، ولكي تصبح هابيتوس.
إن الأزمة ليست فقط أزمة دولة أو أحزاب فقط إنها أزمة مجتمع بكامله، والرهان ينبغي أن يكون رهانا ثقافيا بالأساس. وهنا تطرح المسؤولية على المثقفين الذين عليهم هم الآخرين التفكير في الحلول العلمية للواقع الحالي، وذلك بالتعاون مع الدولة من جهة، والفاعلين السياسيين من جهة أخرى.
الفصل الثاني

المدرسة والمجتمع: أية علاقة؟ ملاحظات بصدد علاقة المدرسة المغربية بمحيطها السوسيوثقافي.

من المعلوم أن المدرسة هي إحدى المؤسسات الاجتماعية الأساسية التي تنتظم في نسق كلي هو المجتمع. إنها إحدى مؤسسات المجتمع المدني (في مقابل المجتمع السياسي) وقد تخصصت في مجال الممارسة التربوية الثقافية. من هنا فالمدرسة تلتقي في وظيفتها وتتكامل مع مؤسسة اجتماعية أخرى تلعب دورا كبيرا في التنشئة الاجتماعية والثقافية هي الأسرة.
المدرسة تخصصت في تلقين المعارف والعلوم والتقنيات التي توصل إليها الإنسان (إضافة إلى دور التنشئة) وبما أنها خاضعة للدولة فإن هذه المؤسسة لا تمارس دورها إلا في إطار إخضاع إيديولوجي، حيث إعادة إنتاج وتأهيل قوة العمل لا تتم إلا تحت أشكال من الإخضاع الإيديولوجي أو من ممارسة إيديولوجيا الطبقة السائدة... هكذا تلعب المدرسة دورا أساسيا في إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع محققة هيمنة الدولة وسيادتها بواسطة الإقناع والتراضي بتعبير غرامشي، أو بواسطة عنف وإكراه وقسر يختلف عن عنف الدولة المادي بكونه عنفا رمزيا حسب بورديو.
إن المدرسة في الأحوال الطبيعية شديدة الارتباط بمحيطها الاجتماعي والثقافي، بالدولة والمجتمع المدني. وإن كل أنوميا بتعبير دوركايم، أو خلل وظيفي يطرأ في المجتمع ينعكس على شكل أزمة حادة في المدرسة يكون لها أوخم العواقب، بدورها على إعادة إنتاج الدولة لذاتها، بل على إعادة إنتاج النظام الاجتماعي برمته.
لقد اعتدنا في السنوات الأخيرة سماع الحديث عن عقم المدرسة وعدم ارتباطها بمحيطها الخارجي، حيث تم حصر دور الجامعات ومراكز التكوين المهني في ملاءمتها لمتطلبات سوق الشغل. بيد أن الأمر أكبر واشمل من ذلك فلو استطاعت المدرسة انتاج مواطن له القدرة على استثمار معارفه ليس فقط في مؤسسات الدولة وإنما في مؤسسات المجتمع المدني، وبذلك يستطيع هؤلاء الخريجين المساهمة في التنمية المنشودة.
السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو: لماذا لم تبرز هذه الاشكالية المطروحة على المدرسة بشكل بارز خلال العقود السابقة للثمانينات والتسعينات؟
يقول ذ. عبد السلام حيمر أن الدارس للمرحلة الصعبة التي تمر منها المدرسة المغربية اليوم، سيصادف في تاريخ المغرب بعض اللحظات المناظرة:
1-                   إصلاح السلطان محمد بن عبد الله لنظام التعليم في القرويين والمدارس التابعة لها.
2-                   الإصلاح الذي أدخلته سلطات الحماية مع ليوطي، عندما رأى بأن التعليم التقليدي لا ينسجم مع التشكيلة الاجتماعية الاستعمارية، التي كانت سلطات الحماية بصدد إرساء دعائمها.
3-                   اللحظة الثالثة تمت في عهد الاستقلال عندما كثر الجدل حول ماهية المدرسة التي يستحقها المغاربة في العهد الجديد. فتبلورت سياسة المناظرات الوطنية التي أسفرت المدرسة الوطنية المنبنية على أساس المبادئ الأربعة الشهيرة: التوحيد، والتعريب، والمغربة، والتعميم. وهذه المبادئ كانت كردة فعل على مبادئ وأركان السياسة التعليمية الاستعمارية.
ومنذ بداية الثمانينات بدأ يظهر موقف جديد يصل إلى حد التشكيك في جدوى وجود المدرسة، فهي لم تعد تقوم بوظائفها وإنما هي تستنزف أموال الدولة من غير طائلة بل بالعكس تنتج البطالة.
فإلى أي حد يمكن اعتبار المدرسة المغربية راهنا مسؤولة عن هذا الاختلال في علاقتها بمحيطها، هذا الاختلال الذي أصبح موضوع إجماع حقيقي لمكونات المجتمع المغربي؟
يقترح ذ. حيمر الجواب عن السؤال أعلاه من خلال مقاربة النقط التالية:
v                   السياق الذي طرحت فيه بحدة اشكالية علاقة المدرسة بمحيطها: إنه سياق نهاية السبعينات الذي تميز بظروف اقتصادية، مالية، سياسية، صعبة. بدءا من تراجع مداخيل الفوسفاط، والصدمة البترولية الثانية، والجفاف خلال 81-83 ووصولا إلى ارتفاع المديونية... كل هذه العوامل إضافة إلى أخرى ساهمت في تهميش المدرسة بل ساهمت في تقليص مواردها وإعمال سياسات جديدة للتخفيف من ضغوطات ومتطلبات هذه المؤسسة. هذا أدى بطبيعة الحال إلى فقدان المدرسة بريقها وثقة المجتمع والمتمدرسين "قرا ولا ما تقراش ما طالعاش ما طالعاش"...
السبيل إذن لإصلاح التعليم والمدرسة هو في إرساء برامج تهدف إلى تطوير المهارات والمعارف وتكريس ثقافة حقوق الإنسان العالمية من خلال المقررات الدراسية، حتى نتقدم نحو مجتمع حداثي حقيقي.
v                   بعض مظاهر الخلل في علاقة المدرسة بمحيطها:
Œ                   علاقة المدرسة بالأسرة: كما هو الشأن بالنسبة للتحولات التي عرفتها المدرسة فإن الأسرة هي الأخرى عرفت تحولات عديدة يمكن أن نبدأها بالدور الذي أصبحت تحتله المرأة داخل هذه المؤسسة، نتيجة ولوجها سوق الشغل. فبدأنا نرى تحولات على مستوى مفهوم المعيل الأسري إضافة إلى ارتفاع نسبة الطلاق. هذه التحولات وانعكاساتها سيتم تصريفها، ليروح الأطفال ضحيتها فينخفض مستواهم الدراسي. هذا بالإضافة إلى انشغال الآباء من الطبقات الاجتماعية الفقيرة بتوفير لقمة العيش الشيء الذي يؤدي إلى عدم الاهتمام بدراسة الأبناء وتتبعهم في المدرسة؛ هنا يكون الآباء من الطبقات المتمايزة اجتماعيا، ثقافيا واقتصاديا، في وضع أحسن حيث يراقبون أبنائهم ويتتبعون مسارهم. بل يكون لهم مشروع طموح لمستقبلهم زيادة على أن هؤلاء الأبناء يمتلكون رأسمال ثقافي بلغة بيير بورديو، يجعل من المدرسة مكملا عكس أبناء الطبقات السفلى التي تصبح برامج المدرسة بمثابة مثاقفة. الحل هو في تعليم ديموقراطي يراعي الفروقات و التمايزات الاجتماعية والثقافية.
                   الدور السلبي الذي يمكن أن تلعبه أحيانا بعض مضامين التعليم والمقررات: هنا يحيل صاحب الكتاب إلى دراسة أجراها العربي باعقيل «المدرسة المغربية هل هي آلة حلم؟»، حيث وجد هذا الباحث أن هناك انفصال بين مضامين المقررات الدراسية وبين الواقع الاجتماعي للفئة العريضة من التلاميذ، بل إن هناك تناظرا بين عدد من القيم والأفكار. إن هذه المقررات تصنع تلاميذ حالمين (بالمعني السلبي للحلم) يقومون بالتماهي مع نصوص المقررات التي لا تتطابق مع واقعهم المعيش. فما هو الحل؟
بطبيعة الحال إن دمقرطة التعليم من الداخل قصد تقليص التفاوتات -إذا لم يكن في المستطاع القضاء عليها- سيكون لها بالغ الأثر في الوصول إلى تعليم منتج. لكن الأساس يكمن في دمقرطة المجتمع ومؤسسات الدولة على اختلافها، حيث إذا لم يتم هذا فإن أي إصلاح سيبقى عرضة للانتكاس.

الفصل الثالث
المرأة المغربية من التقليد إلى الحداثة:
أكدت مجموعة من الأبحاث العلمية التي أنجزت حول المجتمع المغربي، أن هذا الأخير شديد التركيب والتعقيد بسبب كونه محصلة للبنيات التقليدية المخزنية ما قبل-الرأسمالية في تفاعلها بالبنيات الاستعمارية من جهة، والبنيات الرأسمالية التي تكونت في مرحلة الاستقلال من جهة أخرى. هكذا فإن الجديد لا يستطيع أن ينفي القديم، كما أن هذا الأخير لا يستطيع أن ينفي الأول؛ ومن هنا الطابع الثنائي للشخصية المغربية المعاصرة التي تجمع بين التقليد و الحداثة.
وبحديثنا عن الأسرة و المرأة فإن الحركات النسائية الراهنة الداعية إلى المساواة بين الرجل والمرأة تعاني بدورها من هذه الازدواجية. فمقابل الحركات الداعية إلى المساواة بين الجنسين على أساس المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، نجد حركات معاكسة تدعوا إلى الرجوع إلى الأصول و التشبت الحرفي بها. في حين تدعوا الأولى إلى نبذ التخلف والتقليد وفتح باب الاجتهاد، لبناء مجتمع مدني على أساس الإيديولوجية الليبيرالية لحقوق الإنسان، والمواطن، نجد بأن الحركات الثانية تنتصب أمام هذه "الجاهلية" الجديدة، وتدعوا إلى ضرورة تحيين الأصول الأولى التي ارتكز عليها النظام الاجتماعي للأمة في أول ظهورها.
إن الرهان الذي يتصارع حوله المتصارعون هنا هو رهان الهوية الثقافية للإنسان المغربي المعاصر، هذا يعني أننا عندما نتحدث عن مجال الأسرة والعائلة فإننا نتحدث عن مجال اجتماعي رمزي يتصارع فيه الفاعلون على امتلاك و توزيع، وإعادة إنتاج الرأسمال الثقافي والرمزي، وتوزيع الأفراد على المراكز الاجتماعية القائمة، الرهان هنا هو رهان امتلاك السلطة و النفوذ داخل هذا المجال الاجتماعي.
من هذا المنطلق نجد أن المنزل/الدار هو مكان للمرأة خاص بها محرم على الغرباء دخوله دون إذن صاحبه، في حين يبقى الخارج من حق الرجل (ومحرم على المرأة). هذه الصيرورة الثقافية والاجتماعية هي ما يعطي للمرأة المغربية تلك المكانة الدونية داخل المجتمع وداخل العائلة، التي تؤدي بدورها إلى استبطان المرأة لتلك الهيمنة بتعبير بورديو، فتصبح المرأة العجوز والحماة نسخة طبق الأصل عن الرجل في غيابه لضمان شروط إعادة إنتاج دونية النساء في الزمان والمكان.
هكذا نجد استمرارية للعادات والتقاليد القديمة داخل العائلة المغربية الممتدة والتي بفعل عوامل عدة انشطرت إلى أسر نووية. السؤال المطروح هنا هو: هل يعني انفجار العائلة الممتدة بأدوارها التقليدية، تلاشيا لمنظومة القيم التي تسندها، على النحو الذي تعبر به عن ذاتها في العادات والأعراف والمعايير الأخلاقية والرؤية إلى الوجود والكون والمصير وتراتبية الحياة الاجتماعية؟ (ص112).
يقول ذ. حيمر بأن كل الشواهد المتوفرة حاليا تشير إلى أن كل تلك التغيرات الهامة لم تقوى على النيل من قوة المنظومة القيمية التقليدية في الشخصية المغربية الأساسية، وإن كانت قد أضعفتها نسبيا وجعلتها تقف وجها لوجه أمام منظومة قيمية حديثة مغايرة، يرتكز عليها نسق المراكز والأدوار الجديدة الناجمة عن تغلغل المغرب في زمن الحداثة. وهذا ما يجعلنا أمام شخصية مركبة يتساكن فيها التقليد مع الحداثة على نحو لا يخلوا من صراع والتباس ونزاع واختلاط.
التحديث الاقتصادي للمجتمع المغربي لم يرافقه تحديث على مستوى التنشئة الاجتماعية والثقافية وهذا ما يجعله تحديثا معطوبا وغير تام.

الفصل الرابع
إشكالية الإصلاح وعلامات الساعة، من خلال "الرحلة المراكشية" لـ "ابن المؤقت":
لماذا استحضر ذ. حيمر كتاب: الرحلة المراكشية: مرآة المساوئ الوقتية؛ السيف المسلول على المعرض عن سنة الرسول؟ قبل الجواب عن هذا السؤال لابد من الرجوع إلى الفصول الأولى بهدف التذكير بموضوع الكتاب الذي بين أيدينا "مسارات التحول السوسيولوجي في المغرب".
 إن الهدف من تتبع تلك المسارات كان وكما رأينا بغرض فهم التحولات التي عرفها المجتمع المغربي (ولو بشكل سريع ومقتضب)، والوقوف على مكامن الضعف والقصور في استنبات سياسة إصلاحية تحديثية شاملة بالمجتمع المغربي. لقد تحدث ذ. حيمر عن العمل الثقافي، عن المدرسة، العائلة والأسرة، وعن المرأة، وبعد عرضه لمسارات التحول خلص إلى كون أي إصلاح كيفما كان سيبقى قاصرا، عرضة للنكوص والتراجع، ما لم يرافق بإصلاح على مستوى القاعدة. من هنا الدور الأساسي والحاسم للتنشئة الاجتماعية بكل مؤسساتها، وذلك بغرض بناء أساس ثقافي من خلاله يكون بمقدور المجتمع أن يقوم بإرساء دعائم التحديث، الهدف إذن هو في العمل الثقافي.
من خلال ما سبق –ومن خلال فصول الكتاب- نستشف أن ذ. حيمر أراد أن يرسل رسالة مفادها أن الإصلاح لا يمكن أن يأتي من فوق/أعلى، من قرارات الدولة وحدها، وإنما لابد أن يرافق بإصلاح أت من القاعدة/تحت، من الفئات العريضة للمجتمع، لذلك كان التركيز على الباراديغم الثقافي بلغة "آلان تورين".
ومن بين المكونات الأساسية للقاعدة الثقافية نجد الدين، من هنا تساءل صاحب الكتاب عن دور الدين والكتابات (الدينية)، وعن غاياتها. لذلك استحضر الرحلة المراكشية لـ ابن المؤقت، كي يوضح من خلال الكتاب والكاتب (في آن واحد) حدود سقف الإصلاحات المنشودة، وقصور المناهج (الأصولية). فنظرة الأصوليين (في غالبهم وابن المؤقت واحد منهم) تبقى نظرة ارتكاسية، تحلم بالعودة إلى زمن مضى انقضى وولى، زمن أول ظهور للأمة، من أجل إعادة إحيائه وتحيينه، وبناء مدينة الله كما بناها النبي وصحبه، وكل انحراف عن هذا الهدف/الخط يكون سببا للانحطاط والتراجع والتقهقر.
وعندما اكتشف ابن المؤقت عدم جدوائية أي اصلاح اتخذ من الكتابة فعلا جهاديا للنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليعلن بعد ذلك انعزاله عن المجتمع إلى حين قيام الساعة، التي قدر وقتها في أفق سنة 1950. لقد قرر "ابن المؤقت" أن ينسف الإنسانية التي تنكرت لأصلها.
ابن المؤقت هو العصى التي بها ضرب ذ. حيمر الأصوليين.

3 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More