خلال هاته الأيام أصبح يطل علينا بعض "المثقفين"، عبر برامج إذاعية وتلفزيونية تناقش مواضيع مختلفة ومتنوعة تهم المجتمع، وعندما يحتد النقاش بين هؤلاء "المثقفين" وتتعالى الأصوات وترتفع الحناجر،
نظرا لأن المثقف هو صوت من لا صوت له، باعتباره ينتمي إلى تلك النخبة التي تشكل العين الثاقبة للمجتمع، والتي من خلالها يستطيع هذا الأخير فك رموز وشفرات بعض القضايا والمسائل الراهنة، والتي تستعصي على عامة الناس، نجد هؤلاء "المثقفين" وفي ذروه نقاشهم واختلاف وجهات نظرهم وتباينها فيما بينهم، لايجدون بدا في نهاية المطاف وكحل لتلك العقدة التي واجهتهم، من أن يلقوا اللوم على ذلك الكائن الهلامي الذي يدعى "المجتمع"_طبعا مفهوم المجتمع هنا يحضر في خطابهم للدلالة الثقافة الشعبية التي يمتلكها عامة الناس أو على الاقل الأشخاص الهامشيين الذين يعانون الفقر المثلث_ وأن ينزلوا بثقلهم وبكل ما أوتوا من قوة، من اجل أن يبرهنوا لنا بأن هذا الكائن الهلامي هو العامل المباشروالسبب الرئيس وراء جل المشاكل والأزمات التي نعيشها ونحياها خلال اليومي، هم بهذا يحاولون تجسيد تلك الحكمة الشعبية التي تصف لنا ذلك الشخص الذي يحاول إخفاء الشمس بواسطة الغربال، طبعا فالكل يعلم بأن هؤلاء الذين يطلقون جزافا على انفسهم لقب "مثقفين"، يدركون جيدا أين يكمن جوهر الخلل، لكن عوض أن يتطرقوا إليه ويحاولون معالجته عبر الدراسة والتحليل والبحث عن الحلول الممكنة والناجعة، فإنهم يفضلون استخدام أسلوب المداهنة وتزوير الحقائق، وهم بذلك يساهمون مع جزء كبير من وسائلنا الإعلامية والتواصلية، في تغليط الرأي العام وتسميم بعض العقول والضمائر بواسطة أفيونهم الذي يلبسونه جلباب الثقافة، ولايستطيعون لذلك سبيلا إلا من خلال تجسيم "المجتمع" على شكل شخصية واعية، وإلصاق بها كل التهم وتحميلها مسؤولية ما جرى ما سيجري، وهنا نود أن نقف قليلا من اجل مسائلة هؤلاء المثقفين الأفذاذ، إذا فترضنا جدلا بصحة هذا الإدعاء. أوليس هؤلاء "المثقفين" أنفسهم جزء من هذا المجتمع؟؟ وبالتالي فإن ماينطبق عليه ينطبق عليهم أيضا بالضرورة، لقد سبق وأن أشار هيغل في فلسفته "المثالية " بأن التاريخ هومحكمة للعقل، وبفضل تطور وتعقد ابستيمولوجيا العلوم، أصبح العقل محكمة لنفسه/على نفسه، ونحن نقول هنا لهؤلاء "المثقفين" الذين يحملون "المجتمع" وزر الإختلالات التي تشهدها الحياة اليومية، بدأ من الثقافة وصولا إلى الإقتصاد والسياسة... بأن يتحلوا بالجرأة والكفاة اللازمتين حتى يستطيعوا قراءة الواقع بتناقضاته وصراعاته قراءة علمية واقعية وغير طوباوية، وذلك من خلال الكشف عن المتغيرات والخيوط الخفية للصراع الإجتماعي حول مختلف المصالح والإمتيازات المادية وغير المادية، فمهمة المثقف هي أن يفهم الصراع عوض أن يحشر نفسه فيه، لا أن يجعل من المجتمع شماعة يعلق عليها أخطاء الآخرين، فصوت المثقف يجب أن يكون دائما وسيلة لحماية المجتمع، نظرا لأن هذا الأخيرهو نتاج لتركيبة ثقافية وتخطيط سياسي وإقتصادي، فليس من المعقول أن نضع المجتمع غي قفص الإتهام، ونجعل منه سببا في التناقضات التي يشهدها الواقع، فهذا المجتمع حضرة "المثقفين" ليس في نهاية المطاف سوى نتيجة لمكر السياسة وبؤس الإقتصاد وكساد الثقافة... ولم يكن في يوم من الأيام سببا، ولهذا فهو بريء مما تدعون.
أحمد قجوع
0 التعليقات:
إرسال تعليق